إنفاق خيري غير مدروس
بروز الفقر باعتباره ظاهرة اجتماعية تسترعي الاهتمام، وتحولات الوضع المعيشي والحياتي في المجتمع عامة، يجعل استئثار أعمال بناء وتشييد المساجد بالنصيب الأوفر من المال الخيري ضربًا من الإنفاق غير المدروس أو المقنن، والذي ربما حاد عن المخول له من أهدافه ونواياه، فالمبلغ الذي يستثمر ــ على سبيل المثال ــ في تشييد دور عبادة يتوسط عدة مساجد لا تفصل بينها إلا بضعة أمتار ، يمكن له أن يكون نواة رأس مال لمشروع خيري تعود عوائده على عشرات الأسر المحتاجة والفقيرة، ويوفر فرص عمل للعاطلين، خصوصًا أن جهة حكومية رسمية تتكفل ببناء المزيد منها والإنفاق عليها بسخاء.
وكذلك الحال في كثير من وجوه النفقة الخيرية التي لا تعدو أن تكون حلولًا وقتية لاحتياجات متفاقمة، يعكس انتشارها وتكريس المزيد منها أزمة في ثقافة العمل الخيري، وربطه باحتياجات ومطالب العصر الملحة، والذي يرى تهافت الناس على سقيا المصلين في المساجد، تأخذه الدهشة وتبلغ به مداها حين يعلم أن من جيران المسجد من لا يجد قوت يومه أو قيمة كسوته أو سداد فاتورة كهرباء منزله.