بين الوطنية والوثنية!
في زمنٍ عبر على هذه البلاد، كان الاحتفال باليوم الوطني في منظور الكثير ممن وقعوا تحت سطوة الفتاوى المضلّلة رجسًا من عمل الشيطان، ومصطلح «الوطنية» بدعة يهدّد المشروع الأممي لمن كان يحلم بعودة الخلافة الواهمة والدولة الدينية العظمي.
وبعد زوال هذه الغمّة عن البلاد والعباد وتحرّر المجتمع من وصاية ذلك الكهنوت، بدأت الكثير من القناعات المتخشبة تحترق في مواقد الحياة المتغيّرة نحو الانفتاح المقنّن والحريات المسؤولة، ليصبح لدى الكثير القليل من الوعي بماهية الوطن وكيفية الحفاظ على مقدراته ومكتسباته المادية والمعنوية.
ولكنّنا ونحن نحتفل بالعيد التاسع والثمانين لتأسيس هذه الدولة الممتدة من الماء إلى الماء، مازلنا نفتقد الكثير من السلوكيات الإيجابية التي يفترض أن تبرهن على وطنيتنا الحقيقية، وأعني بالسلوكيات هي بعض الأعمال والتصرفات التي نمارسها بشكل يومي أو موسمي والتي تدلّل على أن مفهوم الوطنية لدى الكثير مازال هشًّا!.
فتغذية الفكر العشائري والعنصري بهياط الشيلات والقصائد وإقامة المهرجانات القبليّة، يقوّض مفهوم الدولة المدنية التي ترتكز على الوطن كمكوّن لكل الأطياف والمذاهب والأعراق، إضافة إلى أن الفساد المالي والإداري في حياتنا العملية يتنافى مع كل الشعارات التي نتغنّى بها في دوائرنا الضيقة والواسعة وفي إعلامنا، والتي تمجّد الوطن ومنجزاته.
إن الوطنية ليست أعلامًا تُرفع ولا أغاني تُردد ولا قصائد تُنشد فحسب، بل قيمة مقدّسة يفترض أن نتبنّاها ونحيلها لسلوكيات نمارسها بحب ونزاهة وصدق وأمانة في كل مناحي الحياة المختلفة.. ويكفي.