الحوارُ الوطنيُ والإعلامُ
نحنُ في زمنٍ كثرَ فيه المرجفون، والمأجورون والعملاءُ، ودعاةُ الشر، زمنٍ أصبحَ فيه الإعلامُ سلاحا يفوق الأسلحةَ المتعارفَ عليها تأثيرا وخطورة، هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى اتساعُ دائرةِ المعلومةِ التي تجاوزت السائدَ والمألوفَ، من المعارفِ القديمةِ، وذلك من منطلقِ ما تفرزه مستجداتُ العصرِ من تنوعٍ في المعطياتِ ذات الصبغةِ العالميةِ التي جعلت من عالمنا شبكةً متداخلةً من الخيرِ والشرِ، وهذا ما يحتم على إنسانِ هذا الزمنِ أن يرتقي بمستواه الفكريِ، والمعلوماتيِ إلى ما يتوازى مع هذه المستجداتِ والأهدافِ التي تسخر لها قوى الخيرِ، وما يقابلها من قوى الشرِ المضادةِ بكلِ ما تحاوله -هذه الأخيرة- من تفوقٍ مدعومٍ بسعةِ الأفقِ المعرفيِ، ومتانةِ الحجةِ، وقوةِ الإقناعِ.
خطرت على بالي هذه الأشياءُ وأنا أستعيدُ فعالياتِ بعضِ جلساتِ الحوارِ الوطنيِ، التي دعيت إليها ضمن مجموعةٍ من أصحابِ الفضيلةِ، وقاماتٍ من رجالاتِ الفكرِ والثقافةِ الذين يثرون تلك الجلساتِ بما أوتوا من علمٍ ومداركَ، يأتي البعضُ منها مطعما بأفقٍ معرفيٍ ومعلوماتيٍ معاصرٍ يرتدي مفاهيمَ جديدةً، لا أشك أنها تستطيعُ أن تفتحَ مغاليقَ بعضِ الأفكارِ التي ترى في المستجداتِ خطوطا داكنةً يصعب هضمُها، وبالتالي كسرُ غرابتِها التي تتخذُ منها سبيلا إلى الوصولِ إلى ما تريدُ من دحرِ أهدافٍ تتحكم فيها أجنداتٌ مدعومةٌ من جهاتٍ تتربصُ بهذا الوطنِ الشرَ وزعزعةَ كيانِه الحصينِ.
شيءٌ آخرُ كنتُ أتمنى لو أنه يحدثُ، وهو أن هذه الجلساتِ لا تخلو من طروحاتٍ، فيها ما فيها من إضاءاتٍ تعكسُ أفكارَ أصحابِها المستنيرين، رؤيا معاصرة ومنطق إقناع يبطلُ أباطيلَ المغرضين.
من المؤسف أن هذه الحواراتِ لا تتجاوزُ طروحاتِها جدرانَ الصالاتِ المغلقةِ التي تعقدُ فيها ولا يعرف أحدٌ شيئا من مضامينِها سوى المشاركينَ في نقاشاتِها، وهذا يجعلُها محدودةَ التأثيرِ، ولأن زمنَنا زمنُ إعلامٍ، فلماذا لا تشكلُ لجانٌ من الموثوقِ بهم لاختيارِ ما يستحقُ أن يبث إعلاميا، وبالتالي تكونُ هذه الحواراتُ قد حققت الأهدافَ التي عقدت من أجلِها.