عادات الحج في جزيرة فرسان
الحج قديما قبل استتباب الأمن، وسهولة المواصلات، وتحسن الرعاية الصحية، كان الذاهب إليه مفقودا حتى يرجع، هذا بالنسبة لمن يذهبون إليه بطريق البر، فكيف بأهل فرسان الذين التصقت حياتهم بالبحر، فلا بد أن يكون سفرهم إلى الحج بواسطة سفنهم الشراعية، قبل زمن الطائرات والسيارات.
فالرحلة عبر البحر شاقة، وخاضعة لاتجاهات الرياح التي قد توصلهم إلى جدة، خلال ثلاثة أو أربعة أيام، وقد تمتد إلى شهر أو أكثر، وبمقدار قداسة هذا الركن العظيم، وبمقدار مشقة أدائه، يكون الاحتفاء بالحاج في وداعه واستقباله.
عندما ينوي شخص الحج ويسمع به معارفه ومحبوه، يبدأون بالتجمع في منزله، يتوسط مجلسهم منشد رخيم الصوت، لينشد أبياتا من الشعر مزجت فيها الفصحى بالعامية، ولكنها مشحونة بالشوق والحنين:
يا واصلين إلى «منى» بعشية
ردوا السلام على أهل ذاك الوادي
من نال من عرفات نظرة حجة
نال المنى ونال كل مراد
×××××
بالله يا زوار مسجد طيبة
من منكم رائحا أو غاد
إذا وصلتم سالمين فبلغوا
مني السلام للشيبان والأولاد
وفي مجلس الإنشاد تدار القهوة وبخور العود، أما في يوم السفر فيكون وداع الحاج سيرا على الأقدام إلى الميناء الذي ترسو فيه السفينة -على بعد خمسة كلم من البلدة- فإن المودعين يرددون نفس الأبيات حتى يصعد الحاج إلى السفينة.
أما بالنسبة للنساء، فمنذ اليوم الخامس من ذي الحجة، فأهل الحاج يهيئون منزلهم لاستقبال النساء ليلا، لينشدن أناشيد الوداع:
ودعت بك يا ضلع جنبي اليمين
يابو «…» يا مكتمل يا رزين
ودعت بك ودمع عيني يجول
وبمثل ما يكون إنشاد نسائي للوداع هناك إنشاد للتعجيل:
إلهي تحفظ اللي عزم من عندنا
وتكتب له سلامه مع سيرته
للي حج مكة وكلف واعتنى
واجا بالسعادة وصل ديرته
ومن باب التكريم تهيأ للحج «قعادة» تنسج بالحبال، وتطلى قوائمها بـ«الحمورة» و«القطران» وفي يوم التاسع من ذي الحجة توجه الدعوات للنساء ليضعن عليها فرشا جديدا و«مخاد» جديدة، وتعلق في كل ركبة قفة -تشبه السلة- توضع فيها «النقوط» كإعانات لأهل الحاج، وأثناء ذلك ينشد النساء:
يوم تصليح القعادة
يحضرون أشراف وسادة
وعندما يصل الحاج إلى الساحل يأخذ أحدهم سبحته ويسبقه إلى أهله ليبشرهم، ويحصل على ما فيه النصيب مقابل بشارته.
أما القعادة، التي نثر على فرشها الريحان والسكب، فلا يسمح لأحد بالجلوس عليها إلا الحاج نفسه.