أنا والكوسة والباذنجان
أطلب المعذرة من أجيال زمننا الحاضر إذا قلت لهم: إننا منذ نعومة أظفارنا، ومنذ غضاضة أعمارنا، كان أهلنا يستفيدون منا بالمساهمة فيما يساعدهم على توفير لقمة العيش الشريفة لهم، ولمن يعولون.
منذ بدايات سنوات أعمارنا الأولى، كنا نحمل مسؤولياتنا إلى جانب آبائنا وأمهاتنا، أو القائمين على رعايتنا، وتربيتنا، لم يكد الطفل -منا- يبلغ التاسعة أو العاشرة من عمره حتى يكون له دور في مساعدة ذويه على توفير لقمة العيش، وبعض المستلزمات الحياتية، فالبعض يشتغل بالرعي والبعض يجلب الماء من الآبار، والبعض الآخر يحتطب، والبعض يتعلم مهنة عند أصحاب المهن -ولو بالمجان- كتهيئة له في مستقبل حياته، وآخرون يزاولون مهنة البيع والشراء في حوانيت صغيرة أو بسطات في بعض زوايا السوق أو ناصيات بعض الشوارع، وهكذا.
لم تكن لدينا سيارات، ولا دراجات نارية، ولا «سيكلات» كنا نحسد الذي يمتطي ظهر حمار أو يعتلي سنام جمل، أهم شيء عندنا أن يسمع أحدنا كلمة ثناء من الآخرين، وهم يقولون عن أحدنا: ولد فلان شاطر، عبارة تملأ نفوسنا زهوا، وتشجيعا على التفاني في العمل، والإتقان، خاصة إذا جاءت تلك العبارة من أب، أو ولي أمر آخر.
أنا كنت ممن يجلبون الماء على ظهورهم من الآبار، في جرة فخارية صغيرة، أو في «تنكة» يتلاءم ثقلها مع حجم جسدي النحيل، أو جلب حزمة حطب من النوع الهش الذي تكسر عيدانه بسهولة.
وبحكم نشأتي -التي كان فيها شيء من التدليل- كنت موضع حسد من أقراني، رغم خيباتي في معظم الأحيان فيما أريد فيه محاكاة أترابي الآخرين.
أكثر ما كان يغيظ أفراد أسرتي مِني، أنهم عندما كانوا يرسلونني إلى السوق لشراء بعض المستلزمات المنزلية اليومية -التي كانت من بينها الكوسة، والخيار، والباذنجان- كنت أرى المشترين يختارون من هذه الخضار ما صغر حجمه، وكنت أنظر إليهم بسخرية شديدة، وأعجب منهم: كيف يتركون الأكبر حجما ويختارون الأصغر دائما؟ وكنت أظن نفسي الأكثر نجابة وشطارة عندما يقع اختياري للحبات الأكثر انتفاخا.
وبزهو معجب بنجابتي -حسب اعتقادي- كنت أملأ «زنابيلي الخسفية» وأعود إلى المنزل، وهناك تكون مكافأتي «علقة ساخنة» لم يقنعني العديد بأنني أتمتع بقدر وافر من الغباء والبلاهة، لأني كنت أنخدع بضخامة الأشياء دون أن أفكر في محتواها.