بين الحقيقة والخرافة
الحقيقة الكبرى في الكون هي وجود الله الخالق العظيم، وأنه الحكيم العليم المتصرف في الخلق بالحياة والموت وعمران الأرض، وما سوى ذلك خرافة وافتئات، وحين يتحدث بعض الأدباء والمفكرين والفلاسفة عن الدين على أنه جزء من الأساطير «الميثولوجيا» فذلك من العبث الممقوت إذا كان الحديث عن دين الإسلام تحديدا وهو الدين الحق الكامل الذي ارتضاه الله للناس.
أما المِلَل والنِّحَل والشرائع البشرية المبنية على الخرافة والإلحاد والشرك بالله، فإنها تختلف عن الدين الإلهي المعلوم بأدلة النقل والعقل، المستقرة تماما عند المسلمين، والله -سبحانه وتعالى- أنزل كتبه وأرسل رسله وأنبياءه لتقرير الإيمان به والتسليم بوحدانيته ونبذ الشرك والخرافة.
والخرافة والأساطير تستحوذ على العقول في المجتمعات البدائية، المتخلفة التي تفتقر إلى القاعدة المتينة من العقيدة والإيمان، فهي تتلمس في الخرافة والأساطير تعويضا لها عما فقدته من الإيمان، ولا علاقة لذلك بالمستوى العلمي والتقدم التقني لمحبي الخرافة والأساطير، فالمقياس الحقيقي هو عمق الإيمان بالله لا التقدم التقني والفلسفي، ولذلك نجد الرواج الأكبر للأفكار الخرافية «الأسطورية الميثولوجية» في مجتمعات أوروبا وأمريكا واليابان والصين والهند المتقدمة تقنيا والمتخلفة على حد سواء، وكلها في الحقيقة متخلفة عقديا وإيمانيا.
ومن المؤكد أن أبعد الناس عن الخرافات والأساطير هم المسلمون المتدينون الذين فتح الله عليهم بشيء من العلم والوعي والاعتدال، لأنهم ممتثلون لما أمرهم الله ورسوله به في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وهم الذين ما فتئ الأصوليون التحريفيون والماديون دعاة فصل الدين عن أمور الحياة، يكيلون لهم التهم، بأنهم أتباع الخرافة والأساطير، لأنهم يؤمنون بالغيب.
وهؤلاء التحريفيون والماديون يلتقون في ذلك مع بعض المسلمين ذوي الابتداع ممن تساهلوا بضوابط الإيمان والتوحيد في الشرق والغرب، ولذلك يبقى هؤلاء بمعزل عن الحقيقة وينتقدون الخرافة والأساطير وهم واقعون فيها وأهلها، مع ظنهم بأنهم يحسنون صنعا، وما هم في الحقيقة إلا سادرون في وهم عميق يغشى عقولهم ويحجب الرؤية عن عيونهم، فهم كالمُنْبَتّ الذي لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.