مكاشفة ودية
القراءة ضرورية لتنشيط عقل الإنسان وهي عماد طلب العلم ومعرفة أحوال الدنيا وتكوين الثقافة، هذا في جانب الثقافة عامة، أما في جانب الثقافة الدينية فهي جزء من الدين نفسه، وخصوصا عند المسلم، وبعض القراءة عبادة كقراءة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وسيرة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وسائر الأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام.
وبعض القراءة ضروري لفهم التاريخ وربط الحاضر بالماضي واستنتاج العبر واكتساب العلم الشرعي واللغوي، كقراءة سير الصحابة وأعلام الأمة وكتب التاريخ بعامة، وكتب التفسير والفقه والتوحيد واللغة لتقويم العبادات والمعاملات وتمييز الحلال من الحرام والنافع من الضار في الحياة، ومعرفة ما يصلح الكلام والكتابة ويقيم عوج اللسان.
ومن القراءة ما هو متعة ذهنية تحفز الإنسان إلى التفكير والتأمل في الكون والحياة والسلوك الإنساني، وذلك مثل كتب ومقالات الأدب والشعر والسرد والنقد والفكر، وقد كان العرب يحرصون على إيكال تعليم أبنائهم إلى علماء وأدباء عقلاء من ذوي العقول الراجحة والثقافة الواسعة والاطلاع اللغوي والاستقامة العقدية.
وإن من الضروري ونحن في عصر اكتسحت وسائل النشر ووسائط الإعلام والتواصل عقول الناس، بالصالح والطالح والبناء والهدام، أن نكون حذرين في تقديم المواد المقروءة إلى أبنائنا، رفقا بعقولهم وتجنبا لعواقب الانفتاح غير المحسوب على ثقافات لا تولي أهمية للعقيدة الصحيحة والقيم الإسلامية الأصيلة، وخصوصيات الأمم والبلدان، وأنماط تفكيرها ومعيشتها، بل تدعوهم بكل ما أوتيت من قوة وتأثير إلى التمرد على كل ذلك، والانصهار في التوجه العالمي المادي الجديد بكل ما فيه من تقديس للماديات والتحلل الأخلاقي والحرية الزائفة.
ولعل أكثر المواد المنفلتة المؤثرة اختراقا لثقافات المجتمعات المحافظة، كتب الفلسفة والسرد الروائي والقصصي، ما تحول إلى أفلام سينمائية ومسرحيات ومسلسلات.
وقد أسهمت كوكبة من مدعي الثقافة وممتهني الصحافة والنقد والترجمة والنشر، في الترويج لهذه المواد المنفلتة وتسويقها بشكل واسع، من خلال تصوير هذه الأعمال على أنها طريق الثقافة والوعي ونضج الفكر، وما هي في الحقيقة غير وسائل لتدجين العقول لما تطلبه العولمة المادية والتفلت السلوكي.
والشاهد على ذلك كمية الاحتفاء بالشذوذ الجنسي والمسكرات والمخدرات في الأعمال الروائية، وهي أعمال تشرف على نقلها إلى المجتمعات المحافظة دوائر مشبوهة ومترجمون تخصصوا في نقل أعمال روائية وفلسفية من لغات عرف كتابها بنزعتهم اليسارية الشيوعية أو العبثية الوجودية، ووجدوا من يروج أعمالهم في العالم العربي الذي يمر بأسوأ مراحل تشتته وضعفه في كل الميادين.
وفي ضوء ذلك، ما أحرى مثقفينا وشداة الأدب لدينا بالانتباه إلى هذه الموجة التي تتسع دائرتها لتبتلع العقول، وتحرف بوصلتها عن ثقافة الأمة الأصيلة المنبثقة من مصادر دينها وصفاء عقيدتها ومكارم أخلاقها إلى ثقافة ركيكة المعتقدات، منحلة القيم، تعتبر الغرائز والشهوات وغياب العقل غاية مقصدها وقصارى همها.