أخلاقيات مهنة الطب
قبل عقد من الزمن رغب إليّ الزملاء في كلية الطب بجامعة جازان أن أنضم إلى لجنة أخلاقيات المهنة في الكلية، ووافقت على ذلك وسعدت برفقة بعض الفضلاء من أساتذة الكلية وإدارييها وطلابها، وأفدت من اللجنة وأعضائها أمورا كثيرة ما زلت أتأملها.
ولقد وقر في نفسي أن التأهيل النفسي والقيمي لطلاب الجامعة في كل التخصصات لا يقل عن التأهيل العلمي والمهني إن لم يَفْضُلْه. ذلك أن العلم وحده لا يكفي لنجاح المتعلم إنْ لم يكتسب أخلاقيات المهنة التي يريد الانتماء إليها والتعامل مع الناس في إطارها، وحين أقول إن ذلك مطلوب لكل التخصصات فإنني أعني ذلك تماما، وأحسب أن القراء الكرام يتفقون معي على ذلك، ولنأخذ مهنة الطب مثالا، وهي مهنة إنسانية بالدرجة الأولى، فالطبيب يتعامل مع الناس في أصعب الحالات التي يصلون إليها وهي حالة المرض واختلال التوازن الجسدي والنفسي، ولا بد من توافر مهارة التعامل الحكيم مع المريض لتعزيز ثقته في الله أولا ثم في نفسه وفي طبيبه، وهذه هي العتبة الأولى لانشراح النفس وكسب ثقة المريض ليتحقق الشفاء بإذن الله.
ولأن البناء المُحْكَم يعتمد على البَنّاء الماهر، فإن الخطوة الأولى في طريق بناء الطبيب الكفء حُسْن اختيار الطلاب والأساتذة ومساعديهم والفريق الفني في كليات الطب، ونبذ المحسوبيات والمجاملة عند تكوين هذا الفريق.
إن حسن الاختيار يرفع مستوى الكلية وسمعتها، ما يجعلها محل اهتمام المختصين ولجان التقويم المهني والاعتماد الأكاديمي، وذلك مما يقلل المآخذ على الجامعة ويرفع أسهمها بين الجامعات.
وإن أهم ما يجدر ترسيخه في أذهان طلاب الطب تعزيز مشاعرهم الإنسانية وبناء قيم التفاني والتضحية بالماديات في سبيل حماية مرضاهم من مخاطر المرض والرفق بهم وملاطفتهم والابتعاد عن الهاجس المادي.
وإن في الأطباء خيرا كثيرا ولديهم وعي كبير لأنهم في الجملة من الفائقين ذكاء وتحصيلا علميا قبل التحاقهم بالمجال الطبي تعلما وممارسة، لكن الإشكالية تنشأ في الغالب من الانحرافات الإدارية لدى بعض مشغلي المستشفيات الذين يحاولون استغلال المهنة ماديا بتسليعها والتربح منها على حساب المرضى بالإفراط في طلب التحاليل والأشعة والعمليات والأدوية والأدوات، ما يشق على المرضى وإن كان لديهم تأمين صحي، علما بأن التأمين من العوامل المشجعة على هذا النهم المادي الذي يتضرر منه المريض.
ونحن نعلم أن مباني المستشفيات وتجهيزاتها وطاقمها الطبي والفني والإداري عالية التكلفة وتدخل في فاتورة الخدمة الطبية للمريض، كما تدخل التكاليف الخدمية في تحديد أسعار كل السلع في الأسواق، لكن للمريض جانبا إنسانيا لا يجوز تجاهله، وبعض المرضى عاطل عن العمل أو ضعيف الدخل أو غريب في البلد، وقد يكون مدينا وتزيده تكلفة العلاج معاناة تطيل أمد مرضه وتفت في عضده وتزيد همه وهم أسرته.
ولذلك يتحتم على وزارة الصحة مضاعفة جهودها الملموسة والتوسع في تطبيق الضوابط الصارمة لرفع مستوى الالتزام بأخلاقيات المهنة لدى الأطباء، وكبح التوجه المادي الملاحظ في بعض المستشفيات، وخصوصا في القطاع الخاص.