تماثيل
لا أودُ نزعَ فرحةِ العرب بفوز رامي مالك بجائزة أفضل ممثل رئيس في فيلم السيرة الذاتية «بوهيميانرابسودي» فتنة البوهيمية، ولكن إيقاظهم على حقيقتين: أن «زامر الحي لا يزال يزمّر ولا يُطرب» وأننا بحاجة متواصلة لتأييد الغرب واعتماده على النسخة المتفوقة من المبدعين، الأولى ناتج حسد، والثانية ناتج انعدام ثقة، السينمائيون وعشاق السينما لا يهمهم أصل رامي مالك لكن يهمهم أنه ممثل جيد.
ومن ناحية فنية، سيشعر من شاهد الفيلم أنه ليس أفضل أداء لرامي، الغريب أن ذاكرتي لم تحتفظ بأي مشهد من الفيلم عندما سمعتُ بالفوز رغم تأكيد ابنتي أننا شاهدناه في السينما قبل قرابة ثلاثة شهور، وبعد محاولاتها مساعدتي على استحضار ظروف محيطة، تذكرتُ أخيرًا الشعور الذي بقي عندما غادرتُ القاعة، كان الشعور بالخلو، شيءٌ مبتورٌ في القصة وفي تكوين شخصية الفنان فريدي ميركوري وتقديمها على نحو شرائح من التعقيد وطبقات من الانفعالات، في الوقت الذي أذكر ارتجافاته ونظرات عينيه المرتبكة بوضوح الكريستال، عندما لعب دورًا ثانويًا رائعًا في فيلم السيرة الذاتية «بابيلون» الفراشة، في حين لم يكتفِ منافسه برادلي كوبر بالاعتماد على وسامته وسحره، وبعد عدة أفلام فاشلة، قدم دورًا مؤثرًا في فيلم «ولادة نجم» وهو ليس سيرة ذاتية بالمناسبة، خاض لأجله «كوبر» في مدة تدريب طويلة لصقل مهاراته الصوتية وتمكينه من تقديم دور مطرب في فيلم جميل أمام ليدي جاجا.
عندما ينافس الإنسان نفسه ويتحدى قدراته يستحق الإشادة، لكن الجوائز قد تأتي عن الدور أو الأداء غير المتوقع، وهنا نسترجع اختلاف النقاد حول فوز ليوناردو دي كابريو بالجائزة نفسها عن فيلمه «ذا ريفينانت» العائد، وليس عن أدوار أخرى عظيمة استدعت استغراب جماهيره تأخر فوزه إلى عام 2015، ولقد غادرتُ مصابةً بغثيان من منتصف الفيلم بسبب مشهد الدب الشهير وبسبب دوران الكاميرا في مشاهد «لاندسكيب» طويلة وبطيئة، وكأنك تشاهد فيلمًا خالصًا عن الطبيعة ببصمة «ناشيونال جرافيك» ثم اصطدمنا بفوز الفيلم والبطل بـ«الأوسكار» وكأنه إهانةٌ من حيث أريد له التكريم، الفوز الذي لم يبد مبهجًا لدي «كابريو» نفسه عندما تعمد نسيان تمثال الفوز مرتين إحداهما في مطعم، يذكرنا بردة فعل بوب ديلنغير المبالية بعد تلقيه جائزة نوبل للآداب عام 2016، وبغض النظر عن موقف المثقفين المعارضين كونه ليس أديبًا قُحًا، فقد بدا امتناعه عن التعليق اعتراضًا بشكل أو بآخر.
للجوائز «حُسبة» غريبة لا تعتمد على الذائقة وتصويت الأغلبية، ولا تنظر للخلف أو لمسيرة إبداعية كاملة، ومن هنا يتجلى نقصها عن الكمال في حين تنشد الكمال، ننتظر نموذجًا عربيًا مطوّرًا يحتفي بالمبدعين في كل المجالات بحيادية وموضوعية لا بحسد وانعدام ثقة.
رأي: رحاب أبوزيد