وزارة الثقافة بعد الاستقلال
بهيجةٌ هي ابتسامات صفوف الشباب التي رمزت للاستبشار بغربلة جذرية للوسط الثقافي، وتقلدهم المسؤولية كموظفين في وزارة الثقافة، لا كمتطوعين أو متعاونين، الفئات التي لم نكن نستهدفها في مخرجات التعليم، أو نتوقع منها إضافة، تزعزع كيانًا اقتصاديًا ومجتمعيًا بلا شك.
تأخرنا في تخصيص استثمارات قوية في الثقافة؛ كما لم ننجح في وضعها مراتب مثالية بعيدًا عن الاتجار والتسويق.
في حفل إطلاق وزارة الثقافة لاستراتيجيتها الجديدة، المقام في العاصمة الرياض بتاريخ 27 مارس، أطلق من بين المبادرات السبع والعشرين برنامجٌ للابتعاث في مجالات ذات العلاقة، الخطوة التي سيكون لها أثر «غربالي» في توسيع مدارك الشباب، وتطوير قدرات الاستقبال والإرسال، والتواصل الجيد، والحقيقة أن استجابة المؤسسات والوزارات لنفض الغبار عن اللوائح والقوانين دون مكابرة أو ادعاء أنها صالحة لكل زمان ومكان، لهو بدء التحول الفعلي والتنفيذي للرؤية السعودية 2030.
ذوبان طبقة النخبة وطمس النخبوية كمنجز معقد ومستوى خطاب، يجب ألا يسحب البساط من تحت أقدام المثقف المفكر والكاتب الرصين والناقد والباحث والروائي والـ .. تقليدي لو أردتم القول، فأصل كل إبداع فكرة وعصف ذهني، وهؤلاء هم من يقدمون أرواحهم كجنود الحروب، متصدين للجهل والتأخر والعمى بكل أشكاله.
من خلال سبع وعشرين مبادرة، تبدو الصورة المعلنة الآن تؤطر لتحويل بلد شاسع بمعظم شرائحه المختلفة، إلى فضاءات غنية تستقطب القاصي قبل الداني، يبدو الهدف نبيلًا وقابلًا للتحقق، متى ما حرصنا على إبهار أنفسنا أولًا، والتمسك بمكنوزاتنا واكتشاف مكامن الموهوبين وتوزيع الفرص بعدالة، وخلق تحديات تمكننا بالتدريج والعقلانية من إحراز تقدم على أصعدة كثر ستلفت نظر العالمين، دون أن نسعى لذلك قصدًا.
الدمج والمزج –مثلًا- شعارُ وزارة الثقافة المستقلة، بدءًا من قوائم المدعوين من جميع الجنسيات إلى الألحان الموسيقية، وانتهاء بالأطباق التي قدمت على العشاء التي جمعت بين «الكنافة» الشرقية و«المكارون» الفرنسي، متماشين مع التزاوج الثقافي المولود البكر لانفتاح شِقّي الكرة الأرضية على بعضهما والهيمنة التقنية المتسارعة.
ما نوصي به الشباب هو: كونوا حقيقيين، لا تبهركم الأضواء والفلاشات، اقرأوا النذر القليل عن ضيوفكم قبل دعوتهم، تعرفوا على منجزات من سبقوكم، وسجلوا ملاحظات حول الأخطاء التي تقع في التنظيم وكيف يمكن تجنبها، أليست وصفة العلاج الجيدة تبدأ من التشخيص الصحيح للمشكلات والاعتراف بها؟.
لا يمكن للشباب تحقيق فوارق تذكر وهم على رأس العمل، إلا بالتعلم والتدريب في الوقت نفسه، ولا تظنوا أنكم بحصولكم على الوظيفة وخاصة في المجال الثقافي قد بلغتم ذروة الحكمة أو ورثتم مفاتيح قارون.
الثقافة تنتزع نفسها من العبث الإداري وترهل الأنظمة واللوائح، وتسرب الميزانيات الضخمة، لتعلن عن منهجية جديدة في التعاطي أولا مع مفهوم «الثقافة» وإعادة تعريف المثقف، وفي تحويل العمل المؤسساتي الثقافي من «بشوت» القبلية والتحيز إلى أحقية وتميز.